
موقعة وادي برباط
نناقش قضية اشتهرت كثيراً في التاريخ الإسلامي والتاريخ الأوروبي وهي قضية حرق طارق بن زياد رحمه الله للسفن التي عبر عليها من المغرب إلى بلاد الأندلس قبل موقعة وادي برباط.
يقولون : إن طارق بن زياد حرق السفن كلها حتى يحمس الجيش على القتال
وقال لهم : البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فليس لكم نجاة إلا في السيف، هكذا تصور الرواية.
وبعض المؤرخين يصدقون الرواية والبعض الآخر يبطلونها، والحق أن هذه الرواية لا يجب أبداً أن تستقيم، فهذه رواية من الروايات الباطلة التي أدخلت على تاريخ المسلمين،
والرد عليها كما يلي :
أولاً : أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح بالنظر إلى الروايات الإسلامية الأخرى ، ولابد أن تكون الروايات عن أناس موثوقين، فهذه الرواية لم ترد أبداً في كتابات المسلمين الموثوق في تاريخهم ،
إنما جاءت فقط في الروايات الأوروبية التي كتبت عن موقعة وادي برباط، فهذه الرواية ليس لها سند صحيح
ثانياً : أنه لو حدث حرق لهذه السفن كان سيكون هناك رد فعل من موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك؛ لأن هذا أمر غريب جداً أن قائداً يحرق سفنه ، أو يكون هناك تعليق من علماء المسلمين ، وهذا لم يحدث مما يعطي شكاً كبيراً في حدوثها
ثالثاً : أن المصادر الأوروبية أشاعت هذا الخبر لأمر واضح جداً، وهو أن المحللين الأوربيين ما استطاعوا أبداً أن يفسروا كيف ينتصر 12000 من الرجال الذين ليس معهم خيول على 100000 فارس وهم في بلادهم وفي عقر دارهم وفي أرض عرفوها وألفوها،
وكيف ينتصر هؤلاء القلة على هذه الكثرة العظيمة جداً من البشر ؟
فقالوا : إن طارق بن زياد حرق سفنه وأصبح أمام المسلمين حل واحد فقط للهروب من الموت ، ولذلك استماتوا في القتال فانتصروا ،
أما لو لم يحرق السفن فإنهم قد ينسحبون من البلاد ويرجعون إلى بلادهم ،
وهذا لأن الأوروبيين لا يستطيعون أبداً أن يفقهوا القاعدة الإسلامية المشهورة والمعروفة والمسجلة في القرأن :
{ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة:249].
رابعاً : أن المسلمين ما هم محتاجون للتحميس بحرق السفن ، فقد جاءوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله
خامساً : لا يعقل أن قائداً محنكاً مثل طارق بن زياد رحمه الله يحرق سفنه ، ويحرق خط الرجعة عليه ، وماذا يصنع لو هزم في هذه الموقعة ؟
وهذا أمر وارد جداً
المصدر : كتاب الأندلس من الفتح إلى السقوط، د. راغب السرجاني
والله اعلى واعلم